الإسلام : بين النقل والعقل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد ، فإن الإسلام دين نقل ، يؤخذ من العلماء الأجلاء ، لا من عامة الناس
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله : ( ولا يحل لأحد أن يتكلَّم في الدين بلا علم ، ولا يعين من تكلَّم في الدين بلا علم ، أو أدخل في الدين ما ليس منه )
وقال ربيعة بن أبي عبدالرحمن رحمه الله : ( الناس في حجور علمائهم كالصبيان في حجور أمَّهاتهم )
وقال الإمام محمد بن سيرين رحمه الله : ( إنَّ هذا العلم دين ؛ فانظروا عمَّن تأخذون دينكم )
ومن أجمل ما قيل في هذا الشأن ما ورد عن أبي حنيفة أنه قال : ( ما جاء عن الله تعالى فعلى الرأس والعينين ، وما جاء عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فسمعاً وطاعة ، وما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم تخيَّرنا من أقوالهم ولم نخرج عنهم ، وما جاء من التابعين فهم رجال ونحن رجال ) .. فما بالك عمَّا جاء من عامة الناس ، الذين لا نعرف عن علمهم شيئا ؟
والشواهد كثيرة
وتفسير القرآن علم من أجل العلوم ، وفهمه مطلب أساسي لفهم هذا الدين ، وتفسيره من غير علم هو تحريف له ، ورهبلة لا تفضي إلا إلى الفساد
وذلك أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى ، وهو دستور الإسلام
وقد أُمرنا بقراءته وتدبره ، واستنباط معانيه وفهمها
ولكن كيف يمكننا أن نتدبر القرآن بعقولنا ، ونحن مأمورون بأن نأخذ العلم من أفواه العلماء ؟
الجواب : إن الإسلام دين نقل نعم ، ولكن ليس نقلا أعمى ، بحيث ينام العقل أمامه
نحن نقرأ القرآن الكريم ، ونستمع إلى الأحاديث ، ثم نستخدم عقولنا في فهم الشرائع
هناك فئة من الناس تقرأ القرآن ، وتفهمه كما هو ، دون مقارنته بآيات أخرى وأحاديث وعقل .. وهذا خطأ فادح ، ولذلك ضلوا وأضلوا
وهناك فئة يؤولون القرآن بحسب ما يقتضيه منطقهم وما تمليه عليه أحلامهم .. وهم ضالون مضلون كذلك
لكن المسلم العاقل هو من يقرأ القرآن ، ويفهمه اعتمادا على شواهد صحيحة أخرى ، محركا بذلك عقله في حدود الشريعة
مثال ذلك ما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه : [ لو كان الدين بالرأي ، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ] .. لأن أسفل الخف أكثر عرضة من الاتساخ من أعلاه ، ومع ذلك جاءت السنة بمسح الأعلى .. هنا نحن نأخذ بالنقل ، ونلغي العقل
مثال آخر : يقول الله تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما }
فهل نفهم الآية على أن القاتل والزاني ومرتكبي الكبائر عامة ، هم خالدون في النار ؟
لفظ الآية يدل على ذلك , ولكن نحن هنا نستخدم العقل ( دون أن نلغي النقل ) فنرد على هذا الادعاء أنَّ هناك آيات كثيرة في القرآن تدل على أن الله تعالى أكد على أنه يغفر الذنوب جميعا ، واستثنى فقط الشرك بالله ، في حال لم يتب مرتكبها منه
والأحاديث الشريفة تؤكد أنهه من قال لا إله إلا الله مؤمنا بها دخل الجنة
هذان مثالان كالشِّياف للعين ، توضحان لنا مسألة الدين نقل هو أم عقل
ثم إن القرآن حمَّال أوجه ، معنى ذلك أنه يمكن أن يأتي عالم ويفسر آية على وجه ، ثم يأتي آخر ويفسر ذات الآية على وجه آخر
بشرط أن لا يتناقض التفسيران
فإذا تناقضا ؛ كان أحدهما أو كلاهما خاطئين
لأن القاعدة السليمة تقول بأن القرآن ليس فيه آية تناقض أخرى
وصلى الله وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين