إن الإنسان منذ أن يموت، يتحول إلى أعبد العابدين وإلى أعرف العارفين، لأنه بعد أن يموت مباشرة تكشف له الحجب.. فإذا ارتفعت الحجب، ارتفعت الموانع {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} الحديد من الحدة لا من الحديد، وهذا المعنى لكل أهل المحشر، (إذا مات أحدكم، فقد قامت قيامته)، رفع عنه الحجب، ولكن المشكلة هي إنه لا مجال للعودة..
فإذن، إن الإنسان في عرصات القيامة وفي البرزخ، يتحول إلى إنسان يعرف مقام الربوبية.. ومن يعرف مقام الربوبية، طبيعي أن ينقدح في قلبه الحب الإلهي.. لا نستبعد أن كل من في المحشر يعيش هذه العلاقة مع رب العالمين، ولكن الكلام هو أن الطرف المقابل لا يعترف بهذا الحب، لأنه جاء متأخرا، فالعذاب النفسي هكذا يكون في إعراض رب العالمين عن العبد، فهو يريد أن يتكلم مع رب العالمين، ويناجي ربه في وقت هو أحوج ما يكون إلى المناجاة، ولكن يأتي الجواب: {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ}.
إن الإنسان ، عندما يرتكب الحرام يعيش أجواء أشد من أجواء دخوله نار جهنم.. (وعزتك وجلالك!.. ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاك، ولا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرض).. (ولكن سولت لي نفسي، وأعانني على ذلك سترك المرخى به علي).. بعد المعصية المؤمن عندما يستفيق من واقعه ويتذكر الغضب الالهي، يعيش حالة من حالات الخجل والوجل من الله -عز وجل-.. إذ من الممكن أن هذه الحالة ترفعه إلى أعلى الدرجات، مثلا: في جوف الليل ينتبه أنه عصى الله نهارا، اغتاب مؤمنا، أو نظر نظرة مريبة؛ فلعله طوال الليل وهو يبكي من خشية الله عز وجل