بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه وبعد
لقد كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم القوليَّة والعمليَّة نموذجًا عاليًا في الشجاعة،
وعند التأمُّل في سيرته نجده صلى الله عليه وسلم يتعامل مع كل المواقف والمصاعب بقلب ثابت، وإيمان راسخ، وشجاعة نادرة؛ لذلك خاطبه الله
سبحانه وتعالى قائلاً:
(( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ))
وقد كانت هذه الشجاعة خُلقًا فطريًّا مزروعًا في قلبه منذ نشأته الأولى صلى الله عليه وسلم؛ فها هو ذا يشارك أعمامه في حرب الْفِجَار وهو لم يبلغ الخامسة عشر من عمره،
كما أنه صلى الله عليه وسلمكان يعتكف وحده في غار حراء وسط الصحراء؛ لذلك لم يكن غريبًا أن تظهرالشجاعة في كل ملمح من لمحات حياته بعد بعثته، ولم يكن هذا كلامًا نظريًّادون تطبيق،
بل مارس الرسول صلى الله عليه وسلم الشجاعة دون تردُّد أو جبن أو خور؛ فنجده صلى الله عليه وسلمفي أوَّل أيام دعوته يُواجه المشركين بأمر تُنكره عقولهم، ولا تدركه فيأوَّل الأمر تصوُّراتهم، ولم يمنعه من الجهر بالدعوة الخوفُ من مواجهتهم،
فضرب بذلك صلى الله عليه وسلم لأُمَّته أروع الأمثلة في الجهر بالحقِّ أمام أهل الباطل، وإن تحزَّبوا ضدَّ الحقِّ، وجنَّدوا لحربه كل ما في وسعهم.
وتتجلَّى شجاعته صلى الله عليه وسلم في مواقف عديدة من أهمها اعتراضه على الظلم، ووقوفه في وجه الظالم دون تردُّد أو خوف، فها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف بجوار المظلوم ويأخذ حقَّه من الظالم؛
(( فيروي ابن هشام أن رجلاً من إراشٍ – اسمموضع - قدم مكة بإبل له، فابتاعها منه أبو جهل فمطله بأثمانها، فأقبلالإراشي حتى وقف على نادٍ من قريشٍ، ورسول الله صلى الله عليه وسلمفي ناحية المسجد جالسٌ، فقال: يا معشر قريشٍ، من رجلٌ يؤدِّيني – أييعينني وينصفني - على أبي الحكم بن هشام؛ فإني رجل غريب ابن سبيل، وقدغلبني على حقِّي؟ قال: فقال له أهل ذلك المجلس: أترى ذلك الرجل الجالس - لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يهزءون به لما يعلمون بينه وبين أبي جهلٍ من العداوة - اذهب إليه فإنه يؤدِّيك عليه. فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلمفقال: يا عبد الله، إن أبا الحكم بن هشامٍ قد غلبني على حقٍّ لي قِبَلَه،وأنا رجل غريب ابن سبيل، وقد سألتُ هؤلاء القوم عن رجلٍ يؤدِّيني عليه،يأخذ لي حقِّي منه، فأشاروا لي إليك، فخذ لي حقِّي منه يرحمك الله.
قال: (( انْطَلِقْ إلَيْهِ )) وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمَّا رأوه قام معه، قالوا لرجل ممَّن معهم: اتبعه فانظر ماذا يصنع. قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه، فقال: من هذا؟ قال
( مُحَمَّدٌ، فَاخْرُجْ إِلَيَّ )) فخرج إليه وما في وجهه من رائحةٍ، قد انتُقِع لونه – أي تغير من هم أو فزع - ، فقال: (( أَعْطِ هَذَا الرَّجُلَ حَقّهُ )) قال: نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له. قال: فدخل فخرج إليه بحقِّه فدفعه إليه. قال: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للإراشي: (( الْحَقْ بِشَأْنِكَ )). فأقبلالإراشي حتى وقف على ذلك المجلس فقال: جزاه الله خيرًا، فقد - والله - أخذلي حقِّي. قال: وجاء الرجل الذي بعثوا معه، فقالوا: ويحك ماذا رأيتَ؟ قال:عجبًا من العجب، والله ما هو إلاَّ أن ضرب عليه بابه، فخرج إليه وما معهرُوحه، فقال له
( أَعْطِ هَذَا حَقَّهُ )) فقال:نعم، لا تبرح حتى أُخْرِج إليه حقَّه. فدخل فخرج إليه بحقِّه، فأعطاهإيَّاه. قال: ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء، فقالوا له: ويلك ما لك؟ والله مارأينا مثل ما صنعتَ قطُّ. قال: ويحكم والله ما هو إلاَّ أن ضرب عَلَيَّبابي، وسمعتُ صوته فملئت رعبًا، ثم خرجتُ إليه وإنَّ فوق رأسه لفحلاً منالإبل ما رأيت مثل هامَته – أي رأسه - ، ولا قَصْرَته – أي عنقه - ، ولاأنيابه لفحل قطُّ، والله لو أَبَيْتُ لأَكَلَنِي. ))
كما تظهر شجاعته صلى الله عليه وسلم واضحة جليلة عندما يتعرَّض أهله وصحابته لخطر ما، فها هو ذا أنس بن مالك رضي الله عنه يصف شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
(( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَالنَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ. قال: وَقَدْ فَزِعَأَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً؛ سَمِعُوا صَوْتًا. قال: فَتَلَقَّاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ – أي لا سرج عليه -، وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ، ))
ويضرب النبي صلى الله عليه وسلمالمثل والقدوة في ميدان القتال فكانت شجاعته النبراس الذي سار عليهالصحابة فيما بعدُ، فيُروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:
(( كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْهُ ))
ومواقفه صلى الله عليه وسلم في الشجاعة كثيرة للغاية نقتصر منها على هذا القدر
المصدر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]