( محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه والنهي عن الغلو و الإطراء في مدحه وبيان منزلته )
يجب على العبد أولا محبة الله عزوجل وهي من أعظم أنواع العبادة ، قال تعالى ( والذين آمنوا أشد حبا لله ) ، لأنه هو الرب المتفضل على عباده بجميع النعم ظاهرها و باطنها ، ثم بعد محبة الله عزوجل تجب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه هو الذي دعا إلى الله وعرف به وبلغ شريعته وبين أحكامه فما حصل للمؤمنين من خير في الدنيا و الآخرة فعلى يد هذا الرسول ، ولا يدخل أحد الجنة إلا بطاعة هذا الرسول في امتثال أوامره واجتناب نواهيه ....
فمحبة الرسول تابعة لمحبة الله تعالى ، لازمة لها ، وتليها في المرتبة ، وقد جاء بخصوص محبته صلى الله عليه وسلم ووجوب تقديمها على محبة كل محبوب سوى الله تعالى ، قوله صلى الله عليه وسلم ( لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ) بل وورد أنه يجب على المؤمن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه كما في الحديث : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : يا رسول الله أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له : لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك ، فقال له عمر : فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الآن يا عمر ) ..
واجبة ومقدمة على محبة كل شيء سوى محبة الله عز وجل ..r ففي هذا أن محبة الرسول
..r مقتضيات محبته
ومحبته تقتضي تعظيمه وتوقيره واتباعه ، وتقديم قوله على قول كل أحد من الخلق ، وتعظيم سنته، وقد ألقى الله على النبي المهابة والمحبة , ولهذا لم يكن بشر أحب إلى بشر ولا أهيب ولا أجل في صدره من رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدور أصحابه رضي الله عنهم , قال عمرو بن العاص بعد اسلامه : إنه لم يكن شخص أبغض إلى منه , فلما أسلمت لم يكن شخص أحب إليه منه ولا أجل في عيني منه , قال : ولو سئلت أن أصفه لكم لما أطقت , لأني لم أكن أملأ عيني منه إجلالا له .
وقال عروة بن مسعود لقريش في قصة الحديبية : أي قوم والله لقد وفدت على الملوك , ووفدت على كسرى وقيصر والنجاشي , والله إن رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا صلى الله عليه وسلم , والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فيدلك بها وجهه وجلده , و إذا أمرهم ابتدروا أمره , وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه , وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده , وما يحدون النظر إليه تعظيما له .
النهي عن الغلو و الإطراء في مدحه صلى الله عليه وسلم..
الغلو: تجاوز الحد , يقال غلا غلوا إذا تجاوز الحد في القدر ، قال تعالى ( ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ) ، أي لا تجاوزوا الحد ، والمراد بالغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم مجاوزة الحد في قدره بأن يرفع فوق مرتبة العبودية والرسالة ، ويجعل له شيء من خصائص الإلهية ، بأن يدعي ويستغاث به من دون الله ويحلف به .
والإطراء : مجاوزة الحد في المدح الكذب فيه ، والمراد بالإطراء في حقه صلى الله عليه وسلم :أن يزاد في مدحه ، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد الله ورسوله ) أي لا تمدحوني بالباطل , ولا تجاوزوا الحد في مدحي , كما غلت النصارى في عيسى عليه السلام فادعوا فيه الألوهية , وصفوني بما وصفني به ربي فقولوا عبد الله ورسوله ..
كره صلى الله عليه وسلم أن يمدحوه بهذه الألفاظ أنت سيدنا ، أنت أفضلنا ، أنت أعظمنا ، مع أنه أفضل الخلق وأشرفهم على الإطلاق ، لكنه نهاهم عن ذلك ابتعادا بهم عن الغلو في حقه وحماية التوحيد ، وأرشدهم أن يصفوه بصفتين هما أعلى مراتب العبد ، وليس فيهما غلو ولا خطر على العقيدة ، وهما { عبد الله و رسوله } ، ولم يحب أن يرفعوه فوق ما أنزله الله عزوجل من المنزلة التي رضيها له ، وقد خالف نهيه صلى الله عليه وسلم كثير من الناس ، فصاروا يدعونه ، ويستغيثون به ، ويحلفون به ، ويطلبون منه مالا يطلب إلا من الله كما يفعل في الموالد والقصائد والأناشيد ، ولا يميزون بين حق الله وحق الرسول صلى الله عليه وسلم ..
: rحكم بيان منزلته
لابأس ببيان منزلته صلى الله عليه وسلم بمدحه بما مدحه الله به ، وذكر منزلته التي فضله الله بها واعتقاد ذلك ، فله صلى الله عليه وسلم المنزلة العالية التي أنزله الله فيها ، فهو عبد الله ورسوله وخيرته من خلقه وأفضل الخلق على الإطلاق ، وهو رسول الله إلى الناس كافة ، وإلى جميع الثقلين الجن والإنس ، وهو أفضل الرسل عليهم السلام ، وخاتم النبيين ، لا نبي بعده ، قد شرح الله له صدره ، ورفع له ذكره ، وجعل الذلة والصغر على من خالف أمره ، وهو صاحب المقام المحمود الذي قال الله تعالى فيه إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) ، فما يفعله أصحاب الموالد من تخصيص اليوم الذي يزعمون أنه مولده لمدحه ( بدعة منكرة )..
ونسأل الله تعالى أن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه